فصل: مطلب عدم سماع دعاء الكفرة من قبل أوثانهم وتفتيده وتبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم من علم الغيب وإسلام عبد اللّه بن سلام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



21 {بِالْأَحْقافِ}: الحقف نقاء من الرمل يعوج ويدق. وكانت منازل عاد برمال مشرفة على البحر بالشّحر من اليمن.
24 {عارِضٌ}: سحاب في عرض السّماء. أي: ناحيتها.
26 {فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ}: أي: في الذي ما مكناكم فيه لئلا يتكرر (ما).
35 {أُولوا الْعَزْمِ}: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات اللّه عليهم أجمعين. اهـ.

.قال ملا حويش:

تفسير سورة الأحقاف:
عدد 16- 66- 46.
نزلت بمكة بعد الجاثية. عدا الآيات 10. 15. 35 فإنها نزلت بالمدينة. وهي خمس وثلاثون آية. وستمائة وأربع وأربعون كلمة. وألفان وخمسمائة وخمسة وتسعون حرفا.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
قال تعالى: {حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} 2 تقدم تفسيرها بنظيراتها التي قبلها حرفيا {ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ} الذي تقتضيه الحكمة الكونية والتشريعية وهذا الاستثناء مفرغا من أعم الأحوال من فاعل خلقنا أو مفعوله. أي ما خلقناهما في حال من الأحوال إلا حالا ملابسا بالحق. وفيه دلالة على وجود الصانع وصفات كماله وابتغاء أفعاله على حكم بالغة عظيمة وانتهائها إلى غايات جليلة بالغة. وكل ذلك يؤجل إلى قدر مقدر في اللوح المحفوظ لا يتبدل ولا يتغير. ولا يقدم ولا يؤخر. يدلك عليه قوله عز قوله: {وَأَجَلٍ مُسَمًّى} ينتهي إليه فناؤهما. وهو معلوم لديه وحده. لأن علمه مما اختص به نفسه المقدسة.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا} به في هذا القرآن من بعث وحساب وغيره {مُعْرِضُونَ} 3 عنه لا يلتفتون إليه والوأوللحال أي والحال أنهم في إعراض عريض عنه. فيا سيد الرسل {قُلْ} لهؤلاء المعرضين {أَ رَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أخبروني عنها وكيف تعبدونها وهي أوثانا جامدة لا حقيقة لها {أَرُونِي} ماهيتها و{ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} حتى تستحق العبادة {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ}.
حتى عدلتموها بخالقها كلا {ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا} القرآن جاء فيه ما تقولونه. وهو ليس فيه شيء من ذلك {أو أثارة مِنْ عِلْمٍ} وبقية منه يؤثر عن الغير. ومن هنا سميت الأحاديث أخبارا. أي أروني مطلق علم من العلوم السالفة {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} 4 في زعمكم هذا بأنها أهل للعبادة فإذا لم يكن عندكم شيء من ذلك فأنتم إذا ظالمون.

.مطلب عدم سماع دعاء الكفرة من قبل أوثانهم وتفتيده وتبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم من علم الغيب وإسلام عبد اللّه بن سلام:

{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ} دعاءه ولوظل دائبا يدعوها ليل نهار {إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ} لا تجيبه لأنها جماد لا تبصر ولا تسمع ولا تفهم باللفظ ولا بالإشارة {وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ} 5 لأنهم لا يدرون بهم.
هذا إذا كانوا أصناما أوكواكب. أما إذا كانوا من ذوي العقول فإن كانوا من المقربين المقبو لين عند اللّه كعيسى والمسيح وعزير والملائكة فلاشتغالهم عنهم بما هو خير. أوكونه بمحل ليس من شأنه الذي فيه أن يسمع دعاء الداعي. لأن اللّه تعالى يصون سمعهم عن سماع دعائه. لأن ما لا يرضاه اللّه يؤلمهم سماعه. وإن كان لا يضره لأنه لم يأمر به ولم يرده. ويتنزه اللّه تعالى عن مثله. وإن كان من أعداء اللّه كشيئاطين الجن والإنس الذين عبدوا من دون اللّه فإن كان ميتا فلاشتغاله بما هو فيه من الشر لوفرض سماعه. والميت ليس من شأنه السماع ولما يتحقق منه السماع إلا معجزة كسماع أهل القليب لقوله صلى الله عليه وسلم ما أنتم بأسمع منهم وما جاء في السلام على الأموات وأنهم يردون السلام فذلك من قبل أرواحهم الخالية عن أجسادهم. لأن الأرواح كلها خالدة المنعم منها والمعذب. وهؤلاء المتخذين للعبادة ليسوا بأولئك. وإن كان حيا فإن كان بعيدا عنه فالأمر ظاهر بعدم السماع وإن كان قريبا سليم الحاسة فلا فائدة من إجابته. إذ لا يقدر على إجابة طلبه.
قال تعالى: {وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ} العابدون والمعبودون {كانُوا} أي المعبودون {لَهُمْ} لعابديهم {أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ} 6 جاحدين لها منكريها يقولون كما أخبر اللّه عنهم {تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ} الآية 63 من سورة القصص في ج 1. وهي مكررة في المعنى كثيرا فيخذلون حينذاك ويعلمون أنه قد سقط في أيديهم {وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتنا بَيِّناتٍ قال الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ} الذي أتاهم على لسان رسولهم وهو القرآن {لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ} 7 وإنما حكموا عليه بأنه سحر لعجزهم عن الإتيان بمثله. وعلى الأنبياء بأنهم سخرة لأن الأمور التي تظهر على أيديهم خارقة للعادة {أَمْ يَقولونَ افْتَراهُ} من لدن نفسه أي إذا لم يقولوا سحر قالوا اختلقه {قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ} فيكون تجاوزا على اللّه {فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} يدفع عني عذابه أو يمنعه من الوصو ل إلي فكيف افتري عليه لأجلكم وأنتم لا تستطيعون كف عقوبته عني ولكن {هو أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ} من القدح في وحي اللّه والطعن فيّ {كَفى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وهو الْغَفُورُ} لمن عصاه إذا لم يكن مشركا به {الرَّحِيمُ} 8 بمن أطاعه ورجع إليه.
تشير هذه الآية إلى أن من تاب وأناب لربه فإنه يغفر له ويرحمه. وهو كذلك إذا شاء {قُلْ ما كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} حتى تقولوا إني ابتدعت ما جئتكم به (الابتداع أن يأتي الرجل بما لم يكن قبل) ولم تنكرر هذه الكلمة في القرآن. أي لأني لست أول رسول أرسله اللّه لهداية البشر حتى تعجبوا وتقولوا ما تقولون. إذ بعث رسل قبلي جاءوا أقوامهم بمثل ما جئتهم به. فكيف تنكرون نبوتي وتجعلونها بدعة {وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ} فيما يستقبل من الزمان في هذه الدنيا هل أخرج أوأقتل أوأحبس كما فعلت الأقوام السالفة بأنبيائهم. ولا أعلم هل تصرون على تكذيبكم لي فتهلكون خسفا أوغرقا أو رهبة. أوتؤمنون فتنالون ما وعدني به ربي إليكم من نعيم الآخرة كغيركم من الأمم المكذبة والمصدقة؟ لأن هذا كله من الغيب الذي لا يعلمه إلا اللّه لأني بشر مثلكم لا علم لي به إلا أن اللّه تعالى أخبرني بأن المؤمن مصيره في الآخرة الجنة. والكافر مرجعه النار. وأمرني أن أخبركم بهذا. وهو حق لا مناص منه.
وفي هذه الآية ردّ على من ينسب إلى الأولياء علم الغيب من الأمور الكلية والجزئية. لأن الأنبياء أنفسهم صرّحوا بعدم علمهم الغيب إلا ما يوحيه اللّه إليهم منه. وما لا يكون للنبي لا يكون للو لي قطعا.
قال في بدء الأمالي:
ولم يفضل ولي قط دهرا ** نبيا أو رسو لا بانتحال

وقال النسفي لا يبلغ ولي درجة الأنبياء.
وقال إن نبيا واحدا أفضل من جميع الأولياء فتنبه. واعلم أن الولي مهما بلغ من علوالشأن والرفعة لا ينال أدنى درجات الأنبياء. فضلا عن الرسل.
قال تعالى يا أكرم الرسل قل لقومك ما أتبع فيما أقوله لكم سحرا ولا كهانة ولا اختلاقا ولا خرافات {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ} من ربي وإني لست بساحر ولا كاهن ولا قصاص {ما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} 9 لكم شريعة اللّه كما أوحاها إلي لا أبتدع شيئا فيها من نفسي ولا أنقل لكم عن غيره شيئا أبدا. واعلم أن البدع والبديع من كل شيء المبدأ. والبدعة تطلق على ما لم يكن زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. وتكون حسنة إذا أجمع على حسنها المؤمنون. وسيئة إذا أجمعوا على قبحها. ولا عبرة بقول البعض في التحسين والتقبيح.
هذا. قالوا لما نزلت هذه الآية فرح المشركون وقالوا واللات والعزّى ما أمرنا وأمر محمد عند اللّه إلا واحدا. ولولا أنه ابتدع ما يقوله من ذاته لأخبره الذي بعثه ما يفعل. وقال الكلبي: لما ضجر أصحاب محمد من أذى المشركين قالوا له حتى متى تكون على هذه الحالة فقال ما أدري ما يفعل بي ولا بكم. وهل أترك في مكة أم أو مر بالخروج إلى أرض رفعت لي بالمنام ذات نخيل وشجر.
وما أخرجه أبوداود في ناسخه من أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى في سورة الفتح ج 3 {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ} وأن الأصحاب قالوا له هنيئا لك يا نبي اللّه. قد علمنا ما يفعل بك. فماذا يفعل بنا؟ فأنزل اللّه الآية 48 من الأحزاب ج 3 وهي {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} وقوله تعالى: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنهارُ} الآية 5 من سورة الفتح ج 3. لا يصح لأن هذه خبر من الأخبار لا يدخلها النسخ وهي محكمة.
وهذه الآية المدنية الأولى من هذه السورة. قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ} هذا القرآن الذي أتلوه عليكم منزل {مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ} أيها اليهود {وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ} في المعنى يعني التوراة والأنجيل والزبور والصحف السماوية {فآمن} ذلك الشاهد وهو عبد اللّه بن سلام على أن القرآن من عند اللّه كما امن بالتوراة بأنها من عنده {وَاسْتَكْبَرْتُمْ} عن الآيمان به أنفة وعدوانا وظلما لأنفسكم وغيركم {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} 10 ويناسب هذه الآية في المعنى الآية المدنية 17 من سورة هود المارّة. يروى البخاري ومسلم عن سعيد بن العاص قال: «ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لحي يمشي على وجه الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد اللّه بن سلام». قال وفيه نزلت هذه الآية.
وأخرج البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك قال: «بلغ عبد اللّه بن سلام مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة. وهو في أرض يخترق النخيل. فأتاه وقال إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي. ما أول أشراط الساعة. وما أول طعام يأكله أهل الجنة. ومن أي ينزع الولد إلى أبيه. ومن أي شيء ينزع الولد إلى أخواله؟ فقال صلى الله عليه وسلم أخبرني بهن آنفًا جبريل. أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب. وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيارة كبد الحوت. وأما الشّبه في الولد فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له. وإذا سبقت كان الشبه لها. قال أشهد أنك رسول اللّه ثم قال يا رسول اللّه إن اليهود قوم بهت. إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني عندك فجاءت اليهود ودخل عبد اللّه ابن سلام البيت. فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أي رجل فيكم عبد اللّه بن سلام؟ فقالوا أعلمنا وابن أعلمنا وخيرنا وابن خيرنا. فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أفرأيتم إن أسلم عبد اللّه. قالوا أعاذه اللّه من ذلك». زاد في رواية. «فأعاد عليهم. فقالوا مثل ذلك. قال فخرج عبد اللّه إليهم. فقال أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمدا رسول اللّه. فقالوا شرنا وابن شرنا. ووقعوا فيه». زاد في رواية. فقال عبد اللّه بن سلام هذا الذي كنت أخافه يا رسول اللّه أن يصموني به وأنا براء مما يقولون. ولكن الشريف يخاف أن يلصق به ما يعيبه. وبهذا ثبت كذب اليهود وبهتهم.
قالوا وكان اسمه الحصين. فلما أسلم سماه رسول اللّه عبد اللّه. وفي كتب اليهود أن الحصين هذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم حينما قدم بصرى وصار يتردد إليه ويعلمه التوراة. حتى انهم نسبوا تأليف القرآن إليه لعنهم اللّه وأخزاهم ما أبهتهم. لأن هذا لم يصل إلى مكة. ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد الهجرة بالمدينة. فلما راه وصارت اليهود تقول هذا كذاب. قال لهم وجه هذا ليس بوجه كذاب. على أنه لوفرض صحة اجتماعه به في بصرى فإن ذلك الوقت كان عمره صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة سنة. ولم تحدثه نفسه بنزول كتاب عليه كي يؤلفه له. ولم يدع النبوة ليركن إليه ويعلمه. ولم يبق في بصرى زمنا يستوعب تعرفه به فضلا عن تعليمه. وقد بقي حتى بلغ الأربعين من عمره. ولم يتكلم بشيء من الوحي. قاتلهم اللّه على إفكهم وكفرهم. وما هذا إلا حسد منهم لعبد اللّه على إيمانه ليس إلا وكان من أمره ما كان رضي اللّه عنه. و لهذا البحث صلة في الآية 47 من سورة النساء في ج 3. لأنه رضي اللّه عنه تأخر في إعلان إسلامه لليهود خوفا من الطعن فيه كما يشير إليه قوله (هذا الذي كنت أخافه) بالحديث المار ذكره في معرض العذر عن تأخير إسلامه. وهناك أقوال بأن الشاهد في هذه الآية موسى عليه السلام شهد على التوراة التي هي مثل القرآن بأنها منزلة من عند اللّه. كما شهد محمد على القرآن فآمن من امن بموسى والتوراة واستكبرتم يا معشر قريش عن الآيمان بالقرآن ومحمد. وأن الآية نزلت في محاججة كانت بين الرسول وقومه. واستدل صاحب هذا القول بأن السورة مكية. وعبد اللّه بن سلام أسلم في المدينة. والأول أولى. لأن هذه الآية من المستثنيات بمقتضى الأحاديث الصحيحة المتقدمة. ومنها ما أخرجه الطبراني بسند صحيح عن عوف ابن مالك الأشجعي أنها نزلت بالمدينة في قصة عبد اللّه بن سلام. وروى ذلك عن محمد ابن سيرين وهو ما عليه جمهور المفسرين وابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة. وروى ذلك ابن سعيد وابن عساكر عن عكرمة.
قال تعالى: {وَقال الَّذِينَ كَفَرُوا} من أهل مكة {لِلَّذِينَ آمنوا} منهم بمحمد صلى الله عليه وسلم {لَوكانَ} ما جاء به محمد {خَيْرًا ما سَبَقُونا إِلَيْهِ} هؤلاء المؤمنون به بادئ الرأي لفقرهم ومهانتهم عندنا يعنون عمارا وصهيبا وابن مسعود وأمثالهم من فقراء المسلمين. ويسكتون عن أبي بكر وأصحابه الذين آمنوا قبل هؤلاء {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ} هؤلاء الكفرة {فَسَيَقولونَ} عنادا وجحودا {هذا} الذي جاء به محمد وامن به هو وأولئك {إِفْكٌ قَدِيمٌ} 11 كان يقوله مثله من قبله لقومه ليس بقرآن.
قال تعالى ردا لقولهم كيف يقولون ذلك {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى} أنزلناه عليه كما أنزلنا هذا القرآن على محمد {إِمامًا} يقتدي به قومه {وَرَحْمَةً} منا لمن امن به وصدقه وعمل به وهو شاهد أيضا لما جاء به محمد لأن ما جاء فيه من المعاني مطابقة لما في قرآنه من التوحيد والوعد والوعيد والقصص والأخبار {وَهذا كِتابٌ} أنزلناه عليك يا محمد {مُصَدِّقٌ} لما قبله من الكتب في المعنى وخاصة فيما هو في كتاب موسى لأنه أعم من غيره بالنسبة لسائر الكتب وجعلناه {لِسانًا عربيًّا} حال من فاعل مصدق وهو الضمير العائد للكتاب {لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} منهم بلسانهم كي يفهموه ويعوه {وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ} 12 العاملين به {إِنَّ الَّذِينَ قالوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا} على إيمانهم وجمعوا بين التوحيد الذي هو خلاصة العلم والاستقامة في الدين التي هي منتهى العمل {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} مما يخافه غيرهم أن يلحقهم ما يكرهونه {ولا هُمْ يَحْزَنُونَ} 13 على ما فاتهم من الدنيا لأن اللّه عوضهم خيرا منها في دار جزائه ولا على ما يناله غيرهم مما يحبونه لأن كلا منهم راض بما أعطاه اللّه ويعتقد أن لا أحد أحسن منه من صنفه و لذلك فلا تحاسد عند أهل الجنة. راجع الآية 30 من فصلت {أولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} 14 في دنياهم من الإحسان وناهيك بإحسان يكون من الملك الديان.
وهذه الآية المدنية الثانية. قال تعالى: {ووصَّيْنَا الإنسان بِوالِدَيْهِ إِحْسانًا} بأن يحسن إليهما ولا يسيء {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا} حين ثقل عليها {ووضعتهُ كُرْهًا} بشدة الطلق حالة الوضع {وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ} فطامه عن الرضاع {ثَلاثُونَ شَهْرًا} وذلك أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وأكثر مدة الرضاع سنتان. فإذا وضع لأكثر من ستة نقص من مدة الرضاع مثل ما زاد على مدة أقل الحمل. فإذا كان الوضع لتسعة مثلا كان الرضاع واحدا وعشرين شهرا وهكذا. أما من يو لد لتمام سنتين على قول أبي حنيفة أولتمام أربع سنين على قول الشافعي رحمهما اللّه فهو نادر. وعلى كل يكون رضاعه دون السنتين. و لهذا البحث صلة في الآية 14 من سورة المؤمنين الآتية. {حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ} جمع لا واحد له من لفظه.